ألقيت بجثتي على كرسي في مقهى ليتحمل وزني بدلا عن رجلاي المرهقتين ( حين تدخل مقهى في جو ممطر ، و تشعر كأنك قد نجوت بنفسك من الحرب إلى مخبأ لا يصله المسلحون الأعداء) فركت كفاي و مسحت على وجهي قطرة ماء كما يفعل الهر. ،نزعت عني معطفي الذي صار وجوده فوق جثتي أقسى من بعض الوجوه..المطر يتحرش بالزجاج كأنه يتوعدني حين الخروج..اقترب مني النادل مترددا..رفعت رأسي بعد أن التقطت عيناي قدميه تقتربان مني بحذاء خفيف..دون أن يسألني طلبت منه شايا..اختفى قليلا ثم عاد يحمله مسرعا و هو يتعمد إظهار براعته في عدم إسقاط الأكواب بحركات فيها احتراف، رجع إلى مكانه، و حمل جريدة بشكل لا إرادي..و حشر فيها وجهه كقطعة من الشوارما في رغيف سوري عملاق..أعرف أنه لا يقرأ شيئا..لكنه يفعل ذلك ليبدو نادلا مميزا...
فنجان قهوة سوداء بجانبه، يعود إليه بلا مناسبة ولا رغبة.. يرتشفه فقط لأنه موجود هناك فوق الطاولة..تناولت كأسي راغبة في أن يدفئ كفاي الباردتين..الناس يعبرون الطرقات كالصراصير..يخرجون و يدخلون الأزقة مسرعين كأفلام شارلي شابلن..سمعت النادل يقول من خلف زجاج المقهى..و هو يفرك يديه.."إرويها يا كريم" ..
كنت أعلم أنه يتمنى في قرارة نفسه أن يذهب السحاب..خاصة و أنه يسكن بعيدا عن المقهى الدافئة.. و أن هذا السخاء من السماء ستفسد عليه سيره..